Canalblog
Editer l'article Suivre ce blog Administration + Créer mon blog
Publicité
Mustapha EL MNASFI /مصطفى المناصفي
Mustapha EL MNASFI /مصطفى المناصفي
Publicité

MUSTAPHA EL MNASFI
مصطفى المناصفي 
Enseignant-chercheur à l'Université Moulay Ismaïl de Meknès (Maroc)



154-newsletter

للتوصل بأخر المقالات المنشورة في المدونة
يمكن لكم الإشتراك في الرسالة البريدية
Pour être tenu informé de chaque nouvelle
publication, abonnez-vous à la :

Newsletter
Archives
1 décembre 2012

السياسات الاجتماعية لمحاربة الفقر بالمغرب

 

ملخص المقال

مصطفى المناصفي، "السياسات الاجتماعية لمحاربة الفقر بالمغرب"، التقرير الإستراتيجي المغربي 2006-2010، الدارالبيضاء، منشورات أبحاث، التقرير التاسع، تشرين الثاني/نونبر 2010، ص. 500-507.

  إن المتتبع للشأن الاجتماعي بالمغرب يقدم عدة تساؤلات عن سبب تواضع هذا الأخير في السلم العالمي للتنمية رغم الاهتمام الذي توليه الدولة لمحاربة الفقر و الهشاشة و الإقصاء الاجتماعي. و من تم يمكن لنا الانطلاق من فرضية مفادها أن تدخلات السلطات العمومية المغربية من أجل محاربة الفقر كانت تحد من فعاليتها طبيعة النظام السياسي المتبع إلى حدود تاريخ الإعلان عن تبني دستور جديد الذي مكن إلى حد ما من تحقيق تقاسم للسلطة بين المؤسسة الملكية و حكومة منتخبة بالاقتراع المباشر.

و بهدف استشراف المستقبل في مجال محاربة الفقر، في ظل دستور جديد، حاولنا من خلال هذه الورقة، الإجابة عن السؤالين التاليين: ما هي أهم الإجراءات التي تبنتها الدولة المغربية من أجل محاربة الفقر، بالمجالين الحضري و القروي، خلال ثلاث سنوات الأخيرة (2010، 2011 و 2012) ؟ و ما هو السيناريو الأمثل الذي يمكن استشرافه، في ظل تقاسم للسلطة التنفيذية بين مؤسسة الملك و مؤسسة الحكومة، بهدف إعطاء دينامية جديدة للسياسات الاجتماعية الموجهة إلى محاربة الفقر ؟

لقد أظهرت الاحتجاجات الاجتماعية التي عرفها المغرب خلال السنوات الثلاث الماضية (2010،2011 و 2012) أن هذا الأخير يعاني من مشاكل اجتماعية بنيوية لا يمكن حصرها في ولاية حكومية أو في فترة زمنية محددة، بل هي نتيجة لسياسات عمومية أقرتها الحكومات المتعاقبة منذ الاستقلال. إلا أن الملاحظ هو تزايد الاحتجاجات الاجتماعية الفئوية خلال ثلاث سنوات موضوع الدراسة، و هذا راجع، في نظرنا، إلى عدم قدرة المغرب الاجتماعي على تحمل تداعيات الأزمة العالمية نتيجة الهشاشة التي تعرفها اغلب القطاعات الاجتماعية الأساسية، و كذا ضعف البنيات التحتية بهوامش المدن و بالمناطق الجبلية. و قد أظهرت شرارة الاحتجاج طيلة سنة2011، في إطار ما سمي "بالربيع العربي"، أن المغاربة لهم مطالب اجتماعية فئوية ؛ إذ في كثير من الأحيان طغت المطالب الاجتماعية على مسيرات "حركة 20 فبراير"، خصوصا عند انطلاقها أو مرورها من الأحياء الشعبية بالمدن الكبرى كالدار البيضاء، الرباط و طنجة.

و إذا أخدنا بعين الاعتبار أن دستور 2011 أقر مفهوم "الديمقراطية التشاركية"، بمعنى إشراك ممثلي الأفراد المدنيين، عبر جمعيات المجتمع المدني، في صياغة السياسات العمومية، التي من بينها السياسات الهادفة إلى محاربة الفقر، فإن السيناريو الأمثل، في نظرنا، من أجل الرقي بحركية الدولة في المجال الاجتماعي هو وضع قانون تنظيمي يؤطر لمشاركة الأفراد المستهدفين بالسياسات الاجتماعية في صياغة هذه السياسات و المشاركة في تدبيرها و تقييمها.

 

كلمات مفاتيح :المغرب، الفقر، الإقصاء الاجتماعي، الاحتجاجات الاجتماعية، السياسات الاجتماعية.

 

 

نشرت هيئة الأمم المتحدة تقريرها السنوي لسنة 2011 حول التنمية البشرية الذي احتل فيه المغرب المرتبة 130 من بين 187 دولة، فيما احتل الرتبة 114 سنة 2010. هاتين المرتبتين وضعتا السلطات المغربية في موقف حرج أمام خبراء التنمية من جهة ؛ و أمام المواطنين المغاربة من جهة أخرى، لكونها توحي بأن الدولة لا تولي اهتماما للتنمية البشرية رغم تخصيصها لميزانية مهمة للقطاعات الاجتماعية، تصل إلى نصف الميزانية العامة للدولة، و كذا استمرار العمل الاجتماعي وفق برامج المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، التي تعتبر أهم قرار اجتماعي أعلن عنه في المغرب منذ وصول الملك محمد السادس إلى سدة الحكم، سنة 1999.هذا المعطى، يجعل المتتبع للشأن الاجتماعي بالمغرب يقدم تساؤلات عن سبب تواضع المغرب في سلم التنمية رغم الاهتمام الذي توليه الدولة لمحاربة الفقر و الهشاشة و الإقصاء الاجتماعي. و من تم يمكن لنا الانطلاق من فرضية مفادها أن تدخلات السلطات العمومية المغربية للقضاء على الفقر كانت تحد من فعاليتها طبيعة النظام السياسي المتبع إلى حدود تاريخ الإعلان عن تعديلات دستورية، سنة 2011، و التي مكنت إلى حد ما من تحقيق تقاسم للسلطة بين المؤسسة الملكية و حكومة منتخبة بالاقتراع المباشر.

و بهدف استشراف المستقبل في مجال محاربة الفقر، في ظل دستور جديد، سنحاول، من خلال هذه الورقة البحثية، الإجابة عن السؤالين التاليين: ما هي أهم الإجراءات التي تبنتها الدولة المغربية من أجل محاربة الفقر، بالمجالين الحضري و القروي، خلال ثلاث سنوات الأخيرة (2010، 2011 و 2012)؟ وما هو السيناريو الأمثل الذي يمكن استشرافه، في ظل تقاسم للسلطة التنفيذية بين مؤسسة الملك و مؤسسة الحكومة، بهدف إعطاء دينامية جديدة للسياسات الاجتماعية الهادفة إلى محاربة الفقر؟

للإجابة عن ذلك، سنعالج في البداية مظاهر الفقر بالمغرب خلال ثلاث سنوات التالية:  2010 و 2011 و 2012 (المبحث الأول)، ثم سنقدم أهم الإجراءات الاجتماعية التي تبنتها الدولة من أجل محاربة الفقر خلال نفس السنوات (المبحث الثاني)، وسنختم بتقديم لسيناريو الأمثل في نظرنا، و الذي يمكن أن يجعل من السياسات الاجتماعية لمحاربة الفقر أكتر فعالية في ظل دستور جديد (المبحث الثالث).

 

1- مظاهر الفقر بالعالمين الحضري و القروي خلال السنوات التالية: 2010 و 2011 و 2012

إذا أردنا تقديم تعريف للفقر، فهذا الأخير مرتبط بصعوبة الحصول على وسائل و ظروف أفضل لعيش الأفراد، بحيث أن هؤلاء يواجهون صعوبات بالغة من أجل الحصول على المواد الأساسية للعيش و الولوج إلى الخدمات الأساسية كالصحة و التعليم و الشغل و السكن. و هناك مظاهر أخرى للفقر كعدم القدرة على توفير التغذية و الملبس و التزود بالماء الصالح للشرب. وللفقر مظاهر أخرى : ثقافية، ترفيهية، سياسية...، كما أن ضعف القدرة الشرائية، نتيجة ثبات الأجور و غلاء أسعار المواد الغذائية، يعتبر من مظاهر الفقر أو على الأقل الطريق المؤدي إليه.

و عرف المغرب خلال النصف الأول من سنة 2010 مجموعة من الاحتجاجات الاجتماعية بعدة مدن، خصوصا تلك المرتبطة بارتفاع أسعار المواد الغذائية. هذه الاحتجاجات أطرتها تنسيقات محلية لمناهضة الغلاء التي طلبت من الدولة التدخل لدعم المواد الأساسية حتى يتسنى للطبقات الشعبية و الفقيرة التكيف مع الأزمة المالية العالمية. كما عرفت نفس السنة مجموعة من الإضرابات العمالية، كان عنوانها هو الاحتجاج على ظروف العمل و التسريح غير القانوني للعمال، و كذا المطالبة بالزيادة في الأجور. كما عرفت مجموعة من القطاعات الوزارية أشكالا احتجاجية متنوعة كقطاعي التعليم و العدل.

و شهدت نفس السنة فيضانات كثيفة بعدة مناطق بالمغرب، خصوصا بجهة الغرب، عصفت بالآلاف من سكان المناطق الفلاحية ؛ كما انهارت العديد من المباني و غمرت المياه عدد كبير من الهكتارات و هلكت المواشي. ويرجع سبب ذلك، إلى ضعف البنيات التحتية و عدم استعداد الفلاح لمواجهة الكوارث. وقد بلغت الخسائر بالقطاع الفلاحي بسبب الفيضانات، في مجموع التراب الوطني، 168 ألف هكتار، منها 135 ألف هكتار بمنطقة الغرب. كما انهارت عدة وحدات سكنية هشة بنيت بالطين، خصوصا بالمناطق القروية. وقد بينت هذه الفيضانات ضعفا كبيرا على مستوى السدود، خصوصا بالقرب من المناطق القروية المهددة بالفيضانات.

أما بالمجال الحضري، فبعض المدن لم تكن بمنأى عن فيضانات عرت ضعف البنيات التحتية بالحواضر. فمثلا عاشت مدينة الدار البيضاء على إيقاع فيضانات أغرقت المدينة و أحيائها، خصوصا الأحياء الشعبية التي لم تقوى مجاري الصرف الصحي بها على استيعاب الكميات الكبيرة من الأمطار التي تهاطلت على المدينة. كما تسببت هذه الأمطار في تعطيل السير العادي للدراسة و انقطاع الكهرباء بعدة أحياء، كما واجه مجموعة من سكان بعض الأحياء الشعبية صعوبات من أجل الحصول على لوازم العيش الأساسية كالخبز و الزيت و السكر بسبب العزلة التي عاشوها نتيجة للفيضانات.

وعرفت مجموعة من المدن و القرى، سنة 2010، عدة احتجاجات طالب من خلالها منظموها برفع التهميش و الإقصاء الاجتماعي عنهم، كما هو الشأن بالنسبة لساكنة أوريكة بمراكش، ساكنة دوار الشموسة بإقليم سيدي قاسم و ساكنة أولاد الداحو بإقليم تارودانت ؛ و كانت أخر هذه الاحتجاجات، خلال سنة 2010، هي التي نظمت في شهر دجنبر من طرف ساكنة مدينة تنغير، إذ عرفت هذه الأخيرة تنظيم مسيرة شعبية اجتماعية  كبرى، لأول مرة في تاريخ المدينة، طالب من خلالها المحتجين برفع التهميش عنهم.

سنة 2011، كانت السنة التي عرفت احتجاجات اجتماعية كبيرة، وفي كثير من اللحظات احتجاجات سياسية. فمنذ الإعلان عن تأسيس "حركة 20  فبراير" في سياق ما سمي ب"الربيع العربي"، تعددت المسيرات و الوقفات الاحتجاجية ذات الطابع الاجتماعي (للإشارة لن نعالج هنا احتجاجات"حركة 20 فبراير" لأن ذلك يدخل في إطار مطلب الإصلاح السياسي)، إذ عرفت العاصمة الرباط نزولا مكثفا لفئات متعددة من المجتمع كالمعطلين الحاصلين على الشهادات العليا (الماستر و الدكتوراه و ما عادلهما) و كذا الأطر المتوسطة، الحاصلة على شهادة الإجازة، المطالبة بالإدماج المباشر في أسلاك الوظيفة العمومية.

 و كشف تقرير حول تشغيل الشباب، أعده المجلس الاقتصادي و الاجتماعي و تم عرضه في 23 دجنبر 2011، أن الشباب حاملي الشهادات هم الأكثر تضررا من البطالة، إذ بلغت نسبة البطالة وسط الشباب الحاصلين على الشواهد العليا 18.1%، في حين بلغت نسبة 16% وسط الأطر المتوسطة و 4.5% وسط الشباب بدون شواهد.  

بالإضافة إلى العاطلين المحتجين، نزل الأطباء إلى شارع الاحتجاج من أجل لفت انتباه المسئولين إلى الوضعية التي يعرفها قطاع اجتماعي أساسي، والذي يعاني من تفشي الرشوة، و ضعف التجهيزات، و عدم العناية بالجانب الاجتماعي للأطر الطبية. نفس الشيء بالنسبة للممرضين الذين حاولواالاعتصام أمام مقر وزارة الصحة مطالبين الدولة بإحداث قانون خاص بالممرضين بالإضافة إلى مطالب اجتماعية أخرى.  

و من جهة أخرى، عاش مقر وزارة الأسرة و التضامن و التنمية الاجتماعية خلال  نفس السنة يوما احتجاجيا حاول حينها أعضاء مجموعة من تنسيقيات المكفوفين و المعاقين المعطلين اقتحام مقر الوزارة بسبب عدم إدماج أعضائها في سوق الشغل رغم توصلها بوعود بذلك.

 

و عرفت نفس السنة احتجاجات الطبقة الشغيلة في القطاعين الخاص و العام، إذ خاضت هذه الأخيرة مجموعة من الإضرابات و صلت في بعض الأحيان إلى إضرابات دورية أسبوعية، كبدت الدولة خسائر مالية كبيرة.  و شكلت هذه الإضرابات هاجسا بالنسبة للمواطن، بحكم أن أغلبها عرفتها قطاعات اجتماعية أساسية كالصحة و التعليم، بالإضافة إلى قطاع العدل و قطاعات حيوية  كالبريد و المواصلات و الجماعات المحلية و النقل.

و من جهة أخرى، و قبل نهاية سنة 2011، خرج عشرات المواطنين بمدينة مراكش، بمنطقة سيدي يوسف بنعلي، للاحتجاج على ارتفاع فاتورة الماء و الكهرباء.

كما عرفت نفس السنة، خصوصا بعد انطلاق شرارة الاحتجاج في العالم العربي، تزايد ظاهرة استغلال الملك العمومي من طرف الباعة المتجولين نتيجة البطالة و ظروف العيش الصعبة بالحواضر.

و قد خلفت الإضرابات القطاعية و تزايد عدد الباعة المتجولين، و كذا الاحتجاجات الفئوية فوضى في مجالات متعددة كالإدارة و النقل الحضري، تضرر منها المواطن البسيط بشكل خاص، مما زاد من معاناته اليومية المنحصرة في الصراع من أجل تدبير فقره و عدم القدرة على قضاء أغراضه الإدارية جراء الإضرابات شبه اليومية.

و من ناحية أخرى، بلغ عدد الأطفال الفقراء مئة ألف طفل فقير بمجموع التراب الوطني، هؤلاء الأطفال يعانون من عدة مشاكل بسبب انقطاعهم عن الدراسة، و بالتالي  أضحوا عرضة للتهميش و الإقصاء ؛ مما فتح المجال أمام أغلبهم  إلى دخول عالم  العنف و الإجرام. وعلى ذكر الإجرام، تزايد عدد الجرائم بالمغرب خلال السنتين المنفرطتين، خصوصا بالحواضر. و يرجع سبب ذلك، بالإضافة إلى تشرد الأطفال و المراهقين، و إلى تفشي البطالة وسط الشباب، و كذا الهجرة القروية و تغير جغرافية الحواضر بتوسع أحياء هامشية فقيرة كدور الصفيح و السكن غير ألائق.

         سنة 2012 كانت بمثابة الاختبار لأول حكومة في ظل دستور جديد قسمت فيه، إلى حد ما، السلطة التنفيذية بين مؤسسة الملك و مؤسسة الحكومة. خلال هذه السنة عرف المغرب مجموعة من ردود الفعل على العمل الحكومي من طرف الفئات الاجتماعية التي قدمت نفسها كضحية للإجراءات التي تبنتها الحكومة المنتخبة. و تأتي فئة العاطلين عن العمل من حملة الشواهد العليا في المرتبة الأولى، إذ احتجت هذه الفئة و بقوة على قرار الحكومة بضرورة إجراء المباراة من أجل الظفر بمنصب شغل، السلطة التنفيذية بررت ذلك بضرورة احترام الدستور الذي ينص على المساواة و تكافئ الفرص، في حين يؤكد الشباب العاطل الحامل للشواهد العليا بأن هناك محضر وقع مع الحكومة السابقة يقضي بالتوظيف المباشر لهم.هذا الإشكال دفع بحملة الشواهد إلى التكتيف من احتجاجاتهم عبر عدة طرق من بينها التهديد بإضرام النار في أجسادهم.

كما عرفت نفس السنة احتجاجات اجتماعية بمناطق متفرقة كمنطقة إميضر بعمالة تنغير و بمدينة تازة التي تحولت فيها الاحتجاجات السلمية إلى مواجهات عنيفة بين القوات العمومية و المحتجين، كما عرفت مناطق أخرى احتجاجات مثيلة. و تميزت هذه السنة  بتنامي الاحتجاجات و الإضرابات القطاعية كما هو الشأن بالنسبة لقطاع العدل و قطاع الصحة.

و ترجع أسباب أغلب الاحتجاجات إلى مطالب اجتماعية تهم بالأساس المطالبة بالحصول على شغل، أو رفع التهميش أو غلاء أسعار المعيشة و ارتفاع فتورات الماء و الكهرباء أو المطالبة بالزيادة في الأجور و تحسين ظروف العمل بالنسبة للاحتجاجات التي تنظمها النقابات.

و مجمل القول، أظهرت الاحتجاجات الاجتماعية التي عرفها المغرب خلال ثلاث سنوات الماضية ( 2010 و 2011 و 2012)، أن هذا الأخير يعاني من مشاكل اجتماعية بنيوية لا يمكن حصرها في ولاية حكومية أو فترة زمنية محددة، بل هي وليدة سياسات عمومية بنيوية أقرتها الحكومات المتعاقبة منذ الاستقلال. إلا أن الملاحظ هو تزايد الاحتجاجات الاجتماعية الفئوية خلال ثلاث سنوات موضوع الدراسة، و هذا راجع لعدم قدرة المغرب الاجتماعي على تحمل تداعيات الأزمة العالمية نتيجة الهشاشة التي تعرفها اغلب القطاعات الاجتماعية الأساسية و ضعف البنيات التحتية بهوامش المدن و بالمناطق الجبلية. و قد أظهرت شرارة الاحتجاج بالعالم العربي طيلة سنة 2011، أن المغاربة لهم مطالب اجتماعية فئوية، إذ في كثير من الأحيان طغت المطالب الاجتماعية خلال مسيرات "حركة 20 فبراير"، خصوصا عند انطلاقها أو مرورها من الأحياء الشعبية بالمدن الكبرى كالدار البيضاء، الرباط و طنجة. وفي أحيان كثيرة خرجت بعض الفئات الشعبية في مسيرات تطالب بتحسين و ضعها الاجتماعي و لم تخرج في مسيرات مطالبة بإصلاحات سياسية، بل في عدة لحظات هددت تنسيقيات الأطر العليا المعطلة بتغيير مطلبها الاجتماعي إلى مطالب سياسية، و بعد توقيعها لمحضر اتفاق مع الجهات المعنية بتشغيلها هتفت بحياة الملك  و شكرت الحكومة !  يوضح هذا المثال أن المطالب الاجتماعية تعد أولوية على المطالب السياسية بالنسبة للشرائح كبيرة من المجتمع، كالمعطلين حاملي الشواهد العليا. كما يبين هذا المثال أن تردي الوضع الاجتماعي بالمغرب يمكن أن يكون مدخلا لمطلب التغيير الجدري للنظام السياسي، كما يمكن أن يكون الإصلاح الاجتماعي آلية لضمان الاستقرار السياسي للبلد.

و خلال ثلاث سنوات الأخيرة (2010 و2011 و 2012) اتخذت الدولة المغربية، ممثلة في السلطة التنفيذية، مجموعة من الإجراءات من أجل محاربة الفقر. ما هي إذن أهم الإجراءات الاجتماعية التي تبنتها الدولة خلال الفترة الممتدة من بداية سنة 2010 إلى نهاية سنة 2012 ؟

2-    أهم الإجراءات الاجتماعية التي تبنتها الدولة في مجال محاربة الفقر، ما بين بداية سنة 2010 و نهاية سنة 2012

ما بين بداية سنة 2010 و نهاية سنة 2012 تدخلت الدولة المغربية، عبر السلطة التنفيذية، في المجال الاجتماعي في عدة مناسبات. و قد شملت هذه التدخلات القطاعات التالية: التعليم، الصحة، السكن، محاربة الفقر و الهشاشة. كما عرفت نفس الفترة دخول الحكومة في حوار اجتماعي مع النقابات و تمثيليات الأجراء  و الموظفين و أرباب العمل و إطلاق نظام المساعدة الطبية و شروع في إصلاح صندوق المقاصة.

و مكن الحوار الاجتماعي من مأسسة هذا الأخير عبر تكريس دوريته و انتظاميته في إطار تشاوري بين الحكومة و باقي الفاعلين المعنيين به. و أدى هذا الحوار الاجتماعي إلى مجموعة من الحلول  أهمها: الرفع بقيمة 600 درهم صافية من أجور موظفي الإدارات العمومية و الجماعات المحلية و المؤسسات العمومية ذات الطابع الإداري، و كذا الرفع من الحد الأدنى للمعاش من 600 درهم إلى 1000 درهم ؛ إعداد قانون يهم تنظيم الأعمال الاجتماعية للموظفين ؛ تعزيز الحماية الاجتماعية من خلال مراجعة المنظومة القانونية المتعلقة بحوادث الشغل و الأمراض المهنية و طب الشغل و الوقاية من الأخطار المهنية و تدعيم ولوج الموظفين لباقي الخدمات الاجتماعية كالسكن و التنقل و الترقية.

و فيما يخص محاربة الفقر و الهشاشة، استفاد 5.2 مليون مواطن من برامج محاربة الفقر و الهشاشة في إطار المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، إذ أنجزت مجموعة من المشاريع الهادفة إلى خلق أنشطة مدرة للدخل. كما تم في نفس الإطار، الرفع من عدد الجماعات القروية و الأحياء الحضرية التي سوف تستفيد من المرحلة الثانية من مشاريع المبادرة (مرحلة 2011-2015)، إذ استفادت 298 جماعة قروية جديدة، و استفاد كذلك 266 حيا جديدا بالمجال الحضري، كما تم إطلاق برنامج للتأهيل الترابي لفائدة 22 إقليما يعاني من العزلة.

و فيما يخص قطاع الإسكان، استمرت نفس الإجراءات التي تبنتها الدولة قبل سنتي 2010 و2011، و ذلك بالاستمرار في إنشاء و حدات سكنية اقتصادية و اجتماعية لصالح الأسر المحدودة الدخل، مما مكن من إعادة إسكان عدد لا بأس به من المواطنين القاطنين بدور الصفيح. كما تم إنشاء 180.000 و حدة في إطار السكن الاجتماعي استفاد منها حوالي 900.000 مواطن و مواطنة إلى حدود 2010، و حوالي 150.000 وحدة في طور الانجاز سيستفيد منها 750.000 مواطن و مواطنة.

كما عرفت نفس الفترة تهيئة بعض الأحياء الحضرية من خلال برنامج التأهيل الحضري و تأهيل الأحياء.

و فيما يخص قطاع الصحة، الملاحظ أن هذا الأخير عرف نوعا من الاهتمام خصوصا بالعالم القروي، إذ  وصل عدد المؤسسات الصحية الجديدة 366 مؤسسة سنة 2010 بالمجال القروي، و بالتالي ارتفعت في الوقت نفسه نسبة الأطر الطبية و شبه الطبية بالمناطق القروية إلى 2133 إطار عند متم سنة 2011.

كما تم التكفل بالمرضى المصابين بالأمراض المزمنة، إذ تضاعف عدد المتكفل بهم من مرضى القصور الكلوي المزمن إلى 5500 مريض سنة 2010، بعد أن كان العدد لا يتجاوز 2800 مريض سنة 2007، و تم ذلك عبر إنشاء مراكز جديدة خلال سنتي 2010 و 2011 و اقتناء الأجهزة ألازمة لتصفية الدم بهدف تجهيز هذه المراكز.

كما تم تعزيز الحماية الاجتماعية للمعوزين و ذوي الدخل المحدود، إذ استفاد ما يناهز 206.000 معوز من مجانية الخدمات الصحية في المراكز الصحية و الاستشفائية، في إطار تطبيق نظام المساعدة الطبية لفائدة المعوزين و ذوي الدخل المحدود بجهة تادلة أزيلال كتجربة نموذجية.

أما فيما يخص قطاع التعليم، فقد استفاد سنة 2011 أكتر من 4 مليون تلميذ و تلميذة من محفظات و كتب ولوازم مدرسية بالمجان في إطار مبادرة "مليون محفظة"، مقابل أقل من مليون و نصف سنة 2008. كما تم تقديم، خلال نفس السنة، دعم مالي مباشر مشروط بالتمدرس، في إطار برنامج "تيسير" لأكتر من 300 ألف أسرة معوزة في العالم القروي. و تزايد عدد التلاميذ المعوزين المستفيدين من المطاعم المدرسية بنسبة 23% ؛ نفس الأمر بالنسبة للمستفيدين من الداخليات، إذ عرف عدد المستفيدين من هذه الأخيرة زيادات بلغت 1.163.896 مستفيد سنة 2011، في حين انحصر العدد سنة 2008 في 97.019 مستفيد. كما ارتفع عدد التلميذات و التلاميذ المعوزين المستفيدين من خدمة النقل المدرسي في العالم القروي إلى 30.995 سنة 2011 مقابل 2200 سنة 2008.

و استمر تدخل الدولة في مجال محاربة الأمية إذ وصل عدد المستفيدين سنة 2010 إلى أكتر من 700 ألف مستفيد، بلغت نسبة النساء المستفيدات 80%. و في نفس الإطار أسست الدولة لوكالة وطنية تعنى بمحاربة الأمية، بهدف إعطاء دينامية جديدة للبرامج الهادفة إلى القضاء على هذه الآفة. و على العموم انخفضت نسبة الأمية سنة 2010 إلى 32% حسب الإحصاءات الرسمية للدولة.

أما فيما يتعلق بتدخل الدولة بالعالم القروي بهدف محاربة الفقر و العزلة، فقد تم التركيز على دعم الفلاح عبر الرفع من الدعم السنوي المخصص له، إذ وصل هذا الدعم إلى نسبة 33% في إطار صندوق التنمية الفلاحية.  كما تم الرفع من دعم صندوق التنمية القروية. كما رفعت الدولة من دعمها للفلاحين الصغار، و ذلك بإعفاء حوالي 200 ألف منهم من تكاليف مياه السقي برسم المواسم الفلاحية لما قبل سنة 2008، و ذلك في حدود عشرة آلاف درهم، و إعفائهم من الفوائد الناجمة عنها و إعادة جدولة القسط المتبقي. كما رفعت الدولة من ميزانية الاستثمار بالعالم القروي من 8 ملايير درهم سنة 2007 إلى 20 مليار درهم سنة 2010.

و فيما يخص قطاع التشغيل، تميزت سنة 2011 بخلق عدة مناصب للشغل بالوظيفة العمومية في سياق عربي يهدد بالانفجار، إذ خلقت الحكومة أكثر من 17 آلف منصب شغل خصص نصفها للقطاعات الاجتماعية كالتعليم و الصحة.

و في نفس الإطار، قامت الدولة باتخاذ مجموعة من التدابير بهدف خلق فرص للشغل كدعم المقاولات الصغرى و المتوسطة المحدثة لفرص الشغل، و تكوين الأشخاص الباحثين عن الشغل بهدف تسهيل إدماجهم في سوق الشغل، و تشجيع الاقتصاد الاجتماعي و التضامني لخلق فرص للشغل و كذلك تشجيع الاستثمار الأجنبي. 

خلال سنة 2012، السنة الأولى في ظل دستور جديد، أطلقت الدولة إجرائيين اجتماعيين يستهدفان الفقراء. الأول يتعلق بتبني الدولة لنظام المساعدة الطبية (راميد). سيمكن هذا الأخير المعوزين غير القادرين على تحمل مصاريف العلاج الحصول على تغطية صحية تمكنهم من الاستفادة من العلاج مجانا بالمستشفيات العمومية.

و بالنسبة للإجراء الاجتماعي الثاني الذي قرر سنة 2012، فهو الإعلان عن البدا في إصلاح صندوق المقاصة، إذ سيمكن إصلاح هذا الأخير منح الفقراء مساعدات مالية مقابل تقليص دعم بعض المواد الأساسية من طرف الدولة.

بعد تقديمنا الموجز لأهم الإجراءات و التدابير التي حاولت الدولة من خلالها التقليص من حدة الفقر و ما يصاحبه من هشاشة و إقصاء اجتماعي، يحق لنا التساؤل هل السلطات التي كانت تتوفر عليها مؤسسة الحكومة في دستور ما قبل دستور 2011 كانت كافية من أجل صياغة سياسات عمومية اجتماعية فعالة ؟ يظهر أن الإجابة عن هذا السؤال تذهب منحى التأكيد أن تدخلات الحكومة في المجال الاجتماعي تبقى محدودة بحكم أن المؤسسة الملكية هي من أشرفت على العمل الاجتماعي بصفة مباشرة عبر برامج "المبادرة الوطنية للتنمية البشرية" و مؤسسة محمد الخامس للتضامن. و بالتالي فالعمل الحكومي في المجال الاجتماعي ينافسه الإشراف المباشر لمؤسسة الملك.

الآن و في ظل دستور جديد، يعد بتقسيم فعلي للسلطة التنفيذية بين مؤسسة الملك و مؤسسة الحكومة، يحق لنا التساؤل عن السيناريو الأمثل الذي سيمكن هذه الأخيرة من صياغة سياسات عمومية لمحاربة الفقر أكثر فعالية و أكثر إيجابية على وضعية الأشخاص المستهدفين بها.

3- نحو فعالية السياسات اجتماعية لمحاربة الفقر

         ورد في الفصل 12 من دستور 2011 ما يلي: "...تساهم الجمعيات المهتمة بقضايا الشأن العام، و المنظمات غير الحكومية، في إطار الديمقراطية التشاركية، في إعداد قرارات و مشاريع لدى المؤسسات المنتخبة و السلطات العمومية، و كذا في تفعيلها و تقييمها. و على هذه المؤسسات و السلطات تنظيم هذه المشاركة، طبق شروط و كيفيات يحددها القانون...".إن هذه الفقرة من الدستور المتعلقة بالدور الذي سيلعبه المجتمع المدني في القرارات السياسية، تتضمن مفهوما حديثا للديمقراطية يطلق عليه "الديمقراطية التشاركية"، و الذي ينافس مفهوم "الديمقراطية التمثيلية". و يمكن تعريف الديمقراطية التشاركية بأنها "شكل من أشكال التدبير المشترك للشأن العام بناءً على تقوية مشاركة الأفراد المدنيين المستهدفين بالقرار السياسي". و إذا كانت السياسات الاجتماعية لمحاربة الفقر تهدف بدرجة أخص إلى تحسين ظروف عيش أفراد يعانون من التهميش و الإقصاء و العزلة، فإن تبني مفهوم "الديمقراطية التشاركية" في المجال الاجتماعي سيمكن من الارتقاء بالسياسات الاجتماعية الهادفة إلى محاربة الفقر، و بالتالي سيضمن تحسين الوضع الاجتماعي للأفراد المستهدفين.

و إذا أخدنا بعين الاعتبار أن دستور 2011 أقر بتقاسم للسلطة التنفيذية بين مؤسسة الملك و مؤسسة حكومة منتخبة بالاقتراع المباشر، بالإضافة إلى تبنيه لمفهوم "الديمقراطية التشاركية"، فإن السيناريو الأمثل من أجل الرقي بحركية الدولة في المجال الاجتماعي هو تنظيم مشاركة الأفراد المستهدفين في صياغة السياسات الاجتماعية لمحاربة الفقر عبر قانون تنظيمي و تفعيله على المستوى الميداني. السؤال الذي يطرح بحدة هو: كيف يمكن تبني مقاربة تشاركية أثناء صياغة السياسات الاجتماعية لمحاربة الفقر؟ بصيغة أخرى: كيف سيتم إشراك الأفراد المدنيين المستهدفين في صياغة سياسات تهدف إلى تحسين وضعهم الاجتماعي؟ يدفعنا هذا التساؤل إلى التأكيد بأن "الديمقراطية التشاركية" لها مناهج و أدوات يتم عبرها تفعيل مشاركة فعلية للأفراد المستهدفين. و من تم فإن أول خطوة، قبل تبني لمقاربة تشاركية أتناء صياغة السياسات الاجتماعية الهادفة إلى محاربة الفقر، هو إقرار قانون منظم "للديمقراطية التشاركية"، يتضمن الكيفية التي سوف تنظم عبرها الاستشارات الكبرى مع الأفراد المدنيين، و كيف سيتم اختيار هؤلاء الأفراد، و ما هي درجة سلطة القرار التي ستمنح لهم، و كيف ستأخذ اقتراحاتهم بعين الاعتبار، و كيف سيتم تتبع و تقييم السياسات الاجتماعية لمحاربة الفقر بتشارك مع الفئات المستهدفة.

 

Publicité
Publicité
Commentaires
Publicité